اوس

عرض الشجرة
الاب : خيري
الام : غير معروف
الاطفال : none
الاخوة: لايوجد

 

 

” فإما أن نعيش بظل دين نُعز به وبالنَّهج الرشيد وإما أن نموت ولانُبالي فلسنا نرتَّضي عيش العبيد ” .
بهذه الكلمات وبعِّزة المؤمن الواثق بدينه ترجل مجاهِدنا حاملاً روحه في كفه ، وهو يقول المنية ولا الدنية و استقبال الموت ولا إستدبَاره.
أبو الجوزاء أوس بن خيري آل نصرات .
كوكب أطل علينا بمدينة رسول الله الطيبة -طيَّبها الله وحمَاهَا- ، حملته أمه وهنا على وهن في شهر الله المبارك ذي القعدة أنْجبته وبقي سنة في مدينة رسول الله ، وفي نهاية السنة الأولى لبَّى بالحج مع أمه منادِيا :”لبيك اللهم لبيك لبيك لاشرِيك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ” ، وهي شهادة التوحيد التي مات عليها ،ثم حصلت لنا فتنة بسبب المداخلة ، أوشي بنا إلى الحكومة السعودية بأننا نحمل أفكاراً هدامة فأودعنا سجن الرويس وهو سجن سياسي ، وكنت أنا ووالدته وأخوه أويس ، وفي هذا المقام تذكرت مقالة لشيخ الاسلام إبن تيمية رحمه الله :”ماذا يفعل بي أعدائي ، فسجنِّي خلوة وقتلٍِي شهادة وتغريبِّي سياحة ” ، فبقِينا في السجن سنتان وأربعة أشهر وكانت مدرسة يوسف -عليه السلام- قد سقلتَنا وعلمتَنا أن هذه الطريق هي طريق الأنبياء.
أبو الجوزاء هي كُنية كنيته بها وهو صغير بعد الولادة سميته على أوس بن عبد الله البصري وكنيته بكنيتِه ، وهو الذي خرج على الحجاج بن يوسف الثقفي وقتله في معركة دير الجماجم ، وكانت معركة قوية وما أشبه اليوم بالبارِحَة فقد خرج أبو الجوزاء على مجرم الحرب خليفة حفْتر يريد ردَّ الظلم على البلاد والعباد ، وقتل أوس في المستشفى الميداني بطريق المطار بطرابلس.
في سجني كان مع والدته ومجموعة من الأخوات وعدد من الأطفال ، و انْشغلت والدته بتعلِيمه هو وأخيه شيئا من القرآن فحفظ حوالي عشرة سور من القرآن و كانوا يأتون لزيارتي في الأسبوع مرة ، وكانت غالباً يوم الخميس فكنت آتي لهم ببعض الهدايا فكان يقبل عليَّ ويقبلني ويقول يا أبي نحن لا نُريد أن نبقى هنا نريد أن نخرج ونسْكن في بيت صغير أنا وأنت وأمي وأخي فأقول له قريباً – إن شاء الله – ، وعندما قدر الله أن نُسَلَم إلى ليبيا لم نلتق إلا بعد ثلاثة أشهر من السجن في ليبيا، ويوم أن قرر الأمن الداخلي ارجاعِهم إلى أهلهم جاءوا بهم لزيارتي ولم يتعدَّ وقت الزيارة ربع ساعة، وكانت تلك الساعة من أصعب ساعات الزمان ؛ لأنها كانت تحاكي ساعة الوداع لأنني كنت أتوقع ألا أراهم ثانية فكان قلبي يردد
ودعتهم والله يعلم أني
ودعت راحة قلبي الخفَّاق
ياراحِلا بالصبر لم يترك لنا
غير الفراق وزفْرة المشتاق
بعد خروجه من السجن بقي مع أمه وأخيه بعيداً عن والده لفترة خمس سنوات وثلاثة شهور وما ظنك بطفل يعيش هذه الفترة بدون أب؟ ، لكن إذا كان الله معه فمن يكون ضده ؟ ، فقد اسْتودَعتُهم عند من لا تضيع عنده الودائع ، فَوَفَّق الله والدتَهم حتى جمعت بين مهام الأم والأب ، فكانت نعم السند فقد بذلت الغالي والنفيس من أجل أن تجعل منهما رجلين يحملان هم الإسلام والمسلمين وما أجمل ما كانت تردد
ابني لقد هيؤوك لأمر لو فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وحقيقة كانا على قدر التربية وكانت مستوياتُهما ممتازة، ومما كنت أُسرُ به وأتسَّلى تلك اللمسات والهمسات التي تحملها رسائل الأشواق من الحنو والإشتياق عبر رسائلهُما ، فأفرح بها جداً بل أتفَّاخرُ بها بين أصحابي ، وكانوا يقولون إن الله قد أخلفَكم في أبناءَكم خيراً فأبشروا بما يسركم في أبنائكم والحمد لله لقد تحقق المراد .
ومما لابد من ذكره هنا ليَعلم الناس سبيل المجرمين وسنة الظالمين ما حصل لهم من ظلم من الأمن الداخلي من عدم اعترافِهم بهم على أنهم من أبويَّن ليبيين ، ومن العجب أنهم هم الذين أتَوا بهم من الحجاز ، بل وصل بهم الأمر أنهم أرادوا أن يفصلُوهم من الدراسة لولا بعض الأخيار الغيورين ،وبقيا بدون اثبات هوية إلى أن خرجت من السجن ثم أصبحت معاناة أخرى.
بعد خروجي من السجن في سنة (٢٠٠٣م ) ، خرجت وإذ بي أجد أطفالاً في عقول الرجال قد سقلتَهم الأحداث وجدت لهم همَّة عالية في الاجتهاد في حفظ كتاب الله مع بعض المشايخ ، و أول انطلاقتِهم كانت من عند الشيخ محمد بن الصغير آل نصرات، فحفِظا جزء عم ثم خرجت من السجن فأخذتُهم إلى الشيخ محمود الحامي فقبِلهم بشرط ألا يتركَا حفظ القرآن حتى و إن خرجا من عنده يكملان حفظه فبقِيا عنده حتى حفظا ماشاء الله أن يحفِظا ثم انتقلَا الى الشيخ خليفة شيُّوب -حفظه الله- وكانا يذهبَا الساعة الثامنة صباحاً ويأتيَان الواحدة ظهراً ولم يحصل منهما لا كلل ولا ملل
وصدق من قال:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
وهكذا تمضي الأيام ويَشبُ الغلمان ويبلُغَا أشدهما في طور الشباب فقد وُفقَا في دراستِهما في كلية الطب البشري ـ وحصلت لهما حظوة بين أقرانهم وأهليهم وأصبحت لهم مكانة بين الناس .
ومما زادني فرحاً وسروراً هي الهمة التي كان يتمتع بها شهيدنا أوس ، فقد كان تواقا لأن يكون رقما في عالم الدعاة
إلى الله ومجاهداً في سبيل الله ، فعندما كان صغيراً ربينا فيه أن يكون عالماً ومجاهداً وطبيباً ، فقد تربى على الإستقامة وعندما بلغ سن الرشد و أصبح يخالط أقرانه ويسبر أحوالهم ، ورأى من هم أصحاب الهمم العالية وأصحاب الهمم الخوارة وخاصة ممن تعلق قلبه بمحبة الغرب الكافر وتقليدهم فعلم أن هذا السبيل هو سبيل أهل الزيغ والضلال والمجون والانحلال فطَلَّق هذا السبيل واختار سبيل المؤمنين الذي فيه سعادة كل العالمين ، فآثر أن يكون مستقيما على أمر الله فأعفى لحيتة مع العلم أنه لم يحلقها مطلقا آخذاً بوصيتي له عندما قلت له :”إياك أن تستقبل لحيتك بالمعصية فتحلقها” ، ورفع ازاره وهي والله قناعاته لم يجبره عليها أحد، و صحيح كنا نوجه لكننا لا نلزمه بالقوة ، فأصبح شابا نشأ في عبادة الله ونسأل الله أن يجعله ممن جاء ذكرهم في الحديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ، و ذكر منهم شابا نشأ في عبادة الله.
ومن مآثره أنه كان شغوفاً بطلب العلم، يحب النقاش في القضايا التي تتعلق بعلم التوحيد واقترح عليَّ أن يكون لنا درس في التوحيد فدرسنا كتاب التوحيد كاملاً،ثم اتبعناه بدراسة مسائل الإيمان ،التي ضل فيها كثير من مداخلة العصر،وقد أتقنها أيما اتقان ،
وقبلها قرأنا أنا وأمه وأخيه كتاباً يحث على طلب العلم ، ويبين فيه الكاتب فضل العلم والعلماء ، وقرأنا أبواباً من مدونة الفقة المالكي لشيخنا الشيخ الصادق الغرياني ، ومن الجدير بالذكر هنا أن شهيدنا كان يتردد على فضيلة الأخ الشيخ عبد الله الجعيدي وهو صاحب علم وتأصيل قل أن تجده عند غيره ، وكان يفاخر ويقول لقد إستفدت من الشيخ عبد الله ويثني عليه و على علمه وتأصيلاته .
أما أحدث ما بعد ٤/٤/ ٢٠١٩م عندما ناد منادي الجهاد حي على الجهاد حي على الجهاد ، وهب رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه لقتال الفئة الضالة التي استعانت بالملحد الروسي ليذلوا أهل الأسلام ويرغمهم على حياة الذل والمهانة ، ولكن الذين خطبوا العليا قالوا قولتهم
فإما حياة تسر الصديق إما ممات يغيظ العداء
كنا جلوساً أنا وزوجتي و أبنائي أويس وأوس فقلت الرجال يقارعون أهل الكفر الروس وأهل الضلال حفتر ومن ناصره من مداخلة بغلة الحكام في هذا العصر ، ونحن لا نشارك الرجال غمرات الجهاد والله إنها لخيبة أمل ، فتشاورنا من الذي سيذهب ويشارك الرجال جهادهم فقال أنا سأذهب فلا تمنعوني فاستقر الأمر على أن يذهب إلى المستشفى الميداني، ولحق باخوانه وعندما خالطهم وتعرف عليهم رجع وقال :”والله إني أعيش مع رجال لا يوجد أمثالهم هنا ، فهم قوم كأن الله اصطفاهم “وهو في الحقيقة اصطفاء من الله ، وهكذا أصبح بطلنا يشاطر اخوانه آلامهم وآمالهم واختلطت دموع الآلام وفرحة الآمال فبالآلام ، يرفعون أيديهم بأكف الضراعة إلى الله أن يرحم ويتقبل اخوانهم الذين حطوا رحالهم مع النبيين والصديقين والشهداء ،وبفرحة الآمال يدعون المولى أن ينصرهم على عدو الملة والأمة فحقق الله لهم مبتغاهم ، ونسال الله أن يجعل الجنة مثواهم ومنهم شهيدنا ورفقاءه وهكذا تمضي قوافل الشهداء ويمضي شهيدنا في سبيل الله .